top of page

ما بعد رمضان والعيد ؟



       التواد والتراحم من الصفات الأساسية للشخصية المسلمة .. والعلاقة بين المسلمين جميعاً في شتي بقاع الأرض تأخذ صوراً شتى وإن كان بعضها يأخذ شكل المصالح وتبادل المنفعة إلا أن التدبر في تفاصيل تلك العلاقات يأخذنا إلى اعتبارات لا نجدها إلا في المعاملات الإسلامية .. والمناسبات التي نمر بها لا سيما المناسبات المرتبطة بالعقيدة الإسلامية والتي نطلق عليها المناسبات الدينية ، هي بمثابة مثير للفضائل التي يتميز بها الإنسان المسلم عن غيره من البشر والتي ربما تهدأ في بعض الأحيان في وسط ما يقابله الفرد المسلم من صراعات حياتية قد يتغلب فيها الشيطان على طبيعة المسلم إلى أن يمر بمناسبة دينية توقظ فيه فطرته الإيمانية ، ومن تلك المناسبات الدينية مايستمر أكثر من يوم أو يومين .. بل وشهراً كاملاً قضيناه بالأمس القريب ، شهر رمضان المبارك الذي يأتي بعده دائماً أيام هي أيضاً مباركة .. وخلال تلك الأيام جميعها يكثر تقرب الإنسان لربه لما في شهر رمضان من زيادة في الأجر والثواب من الله عز وجل .. ويكثر التأمل والتدبر والبحث عما يزيِّن الخلق ويجملها .

 

وبنظرة شاملة إلى رمضان نجد أنه يجمع الأربعة الأولى من أركان الإسلام ، فلعل كل مسلم يبدأ يومه بالشهادتين المفروضتين .. ثم يقضي يومه وأثنائه يقيم صلواته الخمس المفروضة .. وبمحافظته على ذلك وقبل أن ينقضي الشهر فإنه يؤتي الزكاة المفروضة .. وبالطبع فإن المسلم في خلال ذلك كله يؤدي الفريضة الرابعة وهي الصوم . 

 

       وإذا نظرنا إلى مقتطغات من فضائل الشهر الكريم لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى ميزه بعدة فضائل .. فكما يعلم الجميع أن فيه اُنزل القرآن هدىللناس جميعاً إلى يوم الدين ، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر فمن استطاع أن يحسن التقرب إلى الله في هذه الليلة بالإكثار من العبادات والنوافل .. نال من الأجر والثواب ما يعادل ربما عمره كله فالله يضاعف لمن يشاء ، ومن نعم الله علينا أنه لم يحدد لنا بالدقة أي ليلة هي ليلة القدر لكي نسعى جميعاً للإكثار من النوافل والدعاء في عدة ليال ، كما أن من رأفته سبحانه بنا أن أخبرنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن نتحراها في الوتر من العشر الأواخر فلا يشق على المسلمين جميعاً الاعتكاف طيلة الشهر .

 

       هذا بخلاف ما وهبنا الله سبحانه وتعالى من فرص لنحصد من خلالها أجراً ويحط بها عنا خطايانا لعله يزداد قُربنا من جناته سبحانه وتعالى بإذنه ، فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية ما نقول في كل حين ومع كل فعل ، فهذا ما رواه الترمزي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال يقول : " اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله ، هلال رشد وخير " .. وذلك بداية الحصاد ، الذي يزيد على أن نحصيه .. فقد علمنا أيضاً رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) فضل تعجيل الفطر : " لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر " ، وفضل السحور وتأخيره .. ولا ننسى ما حثنا عليه من سلوكيات تزين شخصية المسلم في رمضان وغيره ففي رواية البخاري : " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم" .. ، : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ، هذا بالإضافة إلى مجالس العلم والذكر التي تكثر في رمضان ويستحِبُّ الصائم الإكثار منها لينهل المزيد من الكتاب والسنة ويكون ذلك معيناً له على الصوم ومانحاً إيَّاه فرصاً أخرى من رحمة الله ونِعَمِه على المسلمين ، ففي رواية مسلم عن أبي هريرة وعن أبي سعيد رضي الله عنهما قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده" . .. .. وهكذا نجد أن في كل حركة أو كلمة أو فعل مهما كان صغيراً أو كبيراً يؤديه المسلم ابتغاء وجه الله سيحانه وتعالى له فيه أجر من الله سبحانه وتعالى ، الحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء .

 

       والآن وقد انقضى رمضان المبارك فترى هل وقف أحدنا مع نفسه ليرى ما الذي تطوَّر في سلوكه وتعاملاته ؟ .. إننا لو أمعنَّا النظر في علاقاتنا مع من حولنا سواء من نعرفهم من الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران والزملاء أو ممن لانعرفهم أو نلقاهم في مواقف عابرة في الطريق أو في السوق أو حتى في العمل .. لو تأملنا جيداً لوجدنا الجميع يتقابل بالبشاشة والترحاب ، الجميع يحافظ على حقوق ومشاعر وإسعاد الآخرين ، الجميع يدعوا للآخرين بالخير والرزق الحلال ، الجميع يساعد قدر استطاعته دون حقد أو منّ ، حتى وإن صادف أحدنا من يخرج عن شعوره ويسلك سلوكاً غير مستحب تجد من يذكِّره : " إنك صائم " .. والآن وقد انقضى رمضان تجد الجميع يتقابلون مهنئين بعضهم البعض بالعيد السعيد ، البعض يجد بإمكانه المحافظة على سعادة الآخرين وإن كان فقط بمجرد البشاشة في اللقاء ، والبعض الآخر يتعدى ذلك لبذل الجهد لإسعاد الآخرين ، فهؤلاء فكروا وجهزوا وباتوا يحضرون اللقاءات الترويحية والترفيهية للكبار والصغار ، وهؤلاء ضحوا بالتنزه والترفيه ليبقوا في محالهم المتعلقة بالحاجات الحياتية اليومية ، وهؤلاء رجال الشرطة بتصنيفاتها وفئاتها لا يكادون يبرحوا الطرق ونقاط العمل الشُرَطي ليحققوا الأمن والأمان لجميع المحتفلين بالعيد السعيد مضحين في ذلك بتواجدهم مع أبنائهم وأهلهم ، ناهيك عن المراكز الطبية بمختلف مستوياتها ومختلف فئات العاملين بها .. 

 

       إن المتأمل بدقة في كل تلك السلوكيات يجد فيها سموَّاً راقياً يرفع صفات الشخصية الإسلامية ويميزها عن بقية بني البشر .. وليتمنى الجميع أن تبقى تلك الصفات يتحلى بها المسلم بعد شهر رمضان والعيد فيبقى كل الشهور والأعياد .. ولنذكِّر المُخطىء منا ـ إذا أخطأ ـ : " إنك مسلم " . فهل يمكن ذلك ؟ 

 

 

فريد مصطفى عبد الوهاب

FARID . PIC

bottom of page